إيلون ماسك.. جدلية الشخصية وجرأتها
ما لم تتحدث عنه السيرة الذاتية للسيد إيلون ماسك

رائد سمور – مدير ومؤسس مركز ريفلكت لدراسات التطور التقني وأثره على حقوق الإنسان

الشخصيات التاريخية تتحدث عن ذاتها ولا تحتاج للتزلف بالكلام والمواقف، فهم يعيشون دوما في حالة انتصار على الرغم من العثرات والهزائم التي يحولونها إلى إنجازات وانتصارات، فحالة التصميم واليقين والإيمان بالنفس تجعلهم يصنعون العجائب.
هذا الرجل الجدليّ كثيرا ما يتحدث عن المعرفة، ويورد المثل التالي بشكل متكرر في حديثه:

” من المهم أن تنظر إلى المعرفة وكأنها شجرة، ينبغي على المرء أن يتأكد من أنه يفهم مكوناتها الأساسية مثل الجذع والفروع الكبيرة قبل أن يتطرق إلى الأوراق”

هذا الرجل “العادي”، عطّل مخططات عسكرية ووضع سياجا جغرافيا للعمليات العسكرية الخاصة بأوكرانيا، و كان صاحب القرار فيما إذا كانت القوات الأوكرانية ستقوم بهجوم تسلل على الأسطول الروسي في شبه جزيرة القرم أم لا.
وكما كان ما يقدمه من خدمات إنترنت عبر الأقمار الصناعية لأوكرانيا مهما، كان أيضا ضروريا للكيان الصهيوني وبسيناريو مشابه ومتطابق كليا، فلم يتردد ماسك في زيارته الأخيرة للكيان في أعقاب شهر أكتوبر من العام المنصرم 2023 بفتح أقمار ستار لينك أمام العمليات العسكرية لجيش الكيان وتزويد الطائرات المسيرة وغرف العمليات وجنود المشاة وآلياتهم على الأرض بالإنترنت، فجاء مؤازرا للكيان بكل ما يمتلك من تقنيات ودعم لوجستي يعتبر ضرورة من ضرورات المعركة.

العبرة هنا، أن هذا المواطن “العادي” لديه تلك السلطة ليقرر بالسماح لهجوم عسكري أم لا، ولو سمح بحدوث الهجوم في شبه جزيرة القرم لكان هناك رد فعل من قبل روسيا قد يفجر الأوضاع لتصل إلى حرب عالمية ثالثة!

والسؤال هنا، كيف يكتسب شخص ما هذا القدر من القوة؟ ولماذا أصبح حلف الناتو وحلفاؤه من وزارة الدفاع والجيش الأوكرانيين في حالة شلل لدرجة أنهم لا يستطيعون القيام ببعض المهام الاستراتيجية دون موافقته؟
تراجع القائد العام لستار لينك لاحقا عن قراره في منع عمل ستارلينك على خطوط التماس بين القوات الأوكرانية والمناطق التي تسيطر عليها القوات الروسية بما فيها شبه جزيرة القرم، وقام بتوقيع عقد مع وزارة الدفاع الأمريكية بتفعيل 500 وحدة من وحدات ستارلينك للوزارة الحق بتفعليها بأي مكان جغرافي في العمق الأوكراني أو على الحدود الجغرافية مع شبه جزيرة القرم. وهذا السيناريو ينطبق على الحالة الخاصة بعمليات جيش الكيان في غزة والضفة الغربية وتقديم الدعم التقني واللوجستي الخاص بنجاح تلك العمليات.
قد نختلف مع بعض أفكار السيد ماسك وقد نتفق مع بعضها الآخر وتختلف النظرة لهذا الرجل بحسب الزاوية التي تراه فيها. بحيث يمكن أن تبدو بعض أفكاره إما شريرة أو منطقية أو حتى محيرة.
بكل بساطة، قد يراه الناس على أنه بطل خارق أو شرير مارق.
لماذا إكس بدلا من تويتر؟
بحثت كثيرا عن الأسباب التي دعت إيلون ماسك لتغيير اسم منصة تويتر إلى إكس X وقرأت الكثير من التفسيرات المحتملة، لكن هناك احتمال لم يتحدث عنه أحد ممن كتبوا في هذا الأمر وعلى رأسهم والتر إيزاكسون، وهو مؤلف وصحفي وأستاذ جامعي أمريكي شغل منصب المدير التنفيذي لشبكة “سي إن إن” ورئيس تحرير مجلة “تايم” واشتهر بإصدار كتب “البيوغرافيا” لشخصيات هامة واستثنائية مثل ستيف جوبز وألبرت أينشتاين، كانت آخرها سيرة الملياردير إيلون ماسك، والتي لا بد من قراءتها لفهم التركيبة المعقدة لهذه الشخصية المثيرة للجدل.

إيلون ماسك.. بين الجدلية والجرأة
بداية، لا بد من الإشارة إلى أن شخصية إيلون ماسك ليست شخصية نمطية اعتيادية وليس من السهل تنميط سلوكه وتوقع قراراته أو ردود أفعاله على الإطلاق. هذا الشخص متفرد نوعا ما في أحلامه وفي أسلوب وطريقة تحقيقها. وهذا الشخص قارىء متمرس يقرأ أكثر من مئة كتاب بالسنة الواحدة، وقد تصيبك الحيرة والتساؤل حول هذا الأمر، فمتى يجد الوقت للقراءة بين كل مسؤولياته في كافة شركاته التي يقوم على إدارتها بشكل مباشر؟ ولمعرفة الرابط ما بين شعار شركة أبل وما بين تسمية إكس لا بد لنا من معرفة سبب شرائه لتويتر كما جاء في سيرته الذاتية.
بحسب ماسك، فإن الهدف من شراء تويتر هو محاربة فيروس العقل المضاد لليقظة على حد وصفه، فهو يريد ديموقراطية أشمل ومساحة حرية أوسع للتعبير عن الذات.
وقبل الخوض في معنى ذلك كلّه، لا بد من التطرق إلى نشأة ماسك في نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، والذي عاش هناك فترة طفولته وبداية شبابه ومن الواضح أن مفاهيمه حول الإثنية والعرق ورؤيته للقضايا المجتمعية الأخرى سوف تتأثر وتتلون بذلك. وهنا لا بد من ذكر ما يتحدث به مرارا وتكرارا حول قلقه بشكل معلن بشأن نقص السكان وإعلانه أن الناس بحاجة إلى إنجاب المزيد من الأطفال و”الأذكياء” منهم على وجه التحديد، فيحتاج الأشخاص الأذكياء إلى إنجاب المزيد من الأطفال بحسب قوله. إنها عقيدة عاشها مع جميع أطفاله الـ 10 الذين ولدوا عن طريق التلقيح الاصطناعي (أطفال الأنابيب)، فيؤمن ماسك بأن الوعي في الجنس البشري شيء هش وأن أحد أهم التهديدات التي تواجه البشرية هو انخفاض معدل المواليد.
من الجليّ أن ماسك يشير في كلامه إلى العرق الأبيض خاصة في أوروبا التي تعاني من نقص في المواليد للمواطنين البيض بينما تشهد ازدياد في أعداد المواليد للمهاجرين العرب والمسلمين، وكأنه يتماهى مع صرخة المعركة التي يتبناها اليمين المسيحي المتطرف في الغرب بصورة عامة والتي تتكون من 14 كلمة، وتسمى أيضا بشيفرة “14” وترجمتها الى العربية بالنص التالي:
“يجب أن نؤمن وجود شعبنا ومستقبل للأطفال البيض”.
أما بخصوص تويتر وما جاء نصه بسيرته الذاتية عن هذا الأمر فليس هناك أبلغ كلاما مما جاء على لسانه وهنا نقتبس حرفيا عن ما قاله عن تويتر ” ربما قضيت الكثير من الوقت على تويتر. إنه مكان جيد لحفر قبرك.”
هذا التطبيق ونقصد هنا تويتر قد جعله مكروها بطريقة لم يكن مكروها بها من قبل. وشكل له عداوات عديدة سياسية واقتصادية أيضا، وأعني هنا تحديدا، تلك الأشياء التي يتفق الكثيرون على كرهها – (1) استحواذه على تويتر (2) ما يغرد به على تويتر (3) التغييرات والأفعال التي فعلها لتويتر ذاته.
ومن المهم هنا ذكر بعض من المبررات والتفسيرات التي تحدثت عنها الصحافة وتحدث عنها التقنيون والباحثون والمهتمون وراء قرار إيلوت ماسك بتغيير تويتر إلى X:
– لإبعاد تويترعن ماضيه.
– جعل تويتر منصة أكثر “ملاءمة لحرية التعبير”.
– جعل تويتر “تطبيقا شاملا لكل شيء” يمكنه القيام بكل شيء من إرسال التغريدات إلى إجراء المعاملات المالية.
– جذب المنصة جمهورا أوسع.لجعل تويتر أكثر قابلية للتسويق.
– جعل المنصة أكثر قابلية للتسويق للمعلنين والشركات الأخرى.

ما وراء “إكس”..
سنتحدث هنا بما لم يتحدث به أحد مطلقا، وكأننا برحلة غوص في أفكار السيد ماسك بناء على محاولة قراءة تحليلية تنميطية لطريقة رؤيته للأمور وطريقة تفكيره وبما لم يجرؤ على ذكره في سيرته حول تسمية المنصة ب”إكس”.

المحطة X
المحطة إكس Station X الاسم الرمزي لأحد أشهر أماكن الغرف السوداء في العالم وكان مقرها في إنجلترا في قصر حديقة بلتشلي. في العام 1938 كانت هناك خطة من أجل هدم القصر أو بيعه، لكن السير هيو سنكلير والذي كان بدوره مسؤولا عن جهاز المخابرات البريطانية السرية والتي كانت تعرف بالاسم الرمزي MI 6 استحوذ على القصر بشكل كامل وحوله الى مقر لجهاز المخابرات السرية البريطانية وسميت بالمحطة X.
فمن أين جاء اسم المحطة؟
جاء اسم المحطة X من محطة اعتراض الراديو السرية التي أقيمت على سطح القصر. سميت بـ X حيث كانت المحطة العاشرة التي تم إعدادها وتشغيلها، و X تعني عشرة بالأرقام الرومانية، وغالبًا ما تسمع المصطلح المستخدم للإشارة إلى المجهول وكل ما يحتمله من متغيرات واحتمالات.
ومن هنا نعتقد أن التسمية ولدت في عقل ماسك لأهمية الاسم ولأهمية جمعها للكل كمنصة شاملة وعلى الأرجح أن ماسك أراد أيضا محاكاة كل ما كانت تقوم عليه المحطة من مهام وأعمال استخباراتية في منصته الجديدة.
كانت هذه المحطة تقوم على أعمال اعتراض الرسائل المرسلة عبر أجهزة الراديو و مراقبة كثافة الرسائل وتحديد أماكن ارسالها وتحديد أماكن المحطات المعادية أيضا. وكان على فريق العمل فيها أن يشتمل على عدد كبير من الموظفين منهم محللي الشفرات (أو الأشخاص الذين يمكنهم فك تشفير الرموز) لتحقيق إنجازات فكرية مختلفة، فكان لديهم مهارات ذهنية وعقلية استثنائية، فكان البعض يجيد لغات عديدة، وبعضهم أبطال شطرنج أو علماء رياضيات عظماء وآخرون سريعون جدًا في حل الكلمات المتقاطعة.

هل هناك رابط ما بين شعار شركة أبل و”إكس”؟
من الجدير بالذكر أن من بين علماء الرياضيات ومحللي الشفرات المشهورين العاملين في محطة X، رجل كان أكثرهم تأثيراً وشهرة في السنوات اللاحقة يُدعى ألين تورينج، يطلق عليه أحيانًا “أبو علوم الكمبيوتر” حيث أدت أعماله ومساهماته العلمية إلى اختراع الحاسوب أو الكمبيوتر.
هذا الرجل كسر شيفرة أنجما الخاصة بالجيش الألماني من خلال اختراعه لماكنة خاصة أدت الى اختراع الكمبيوتر لاحقا. كان تورينج عالم رياضيات فريدا ومتميزا إلا أن الكثير من الإشاعات التي لاحقته لكونه مثلي جنسيا أدت إلى معاناته من اضطرابات نفسية لاحقا أدت الى وفاته كما قيل منتحرا بقضمه قضمة واحدة من تفاحه كانت محقونة بالسيانيد. وهذا ما يتمثل جليا بشعار شركة أبل، وكأن ستيف جوبز أراد تخليد ذكرى ألين تورينج كأول صانع لجهاز كمبيوتر في التاريخ. وهنا الربط ما بين شركة أبل وما بين شعار X بحيث جاء ماسك باسم المؤسسة الأوسع والأشمل محطة X التي كان يعمل فيها العالم ألين تورينج.
وتشير هذه المقاربة إلى أهمية منصة X في العمل الاستخباري والعمل الأمني الخاص المبني على تحليل المعلومات وإدخال الذكاء الاصطناعي لهذه المنصة، كأنه استمرار لعمل المحطة X التي عمل فيها أكثر من 12000 شخص في زمن الحرب العالمية الثانية وهذا الرقم يعادل تقريبا رقم العاملين في منصة تويتر قبل استحواذ ماسك عليها. ومن الجدير بالذكر تم تحويل المحطة الان الى متحف خاص بكسر الشيفرات.